هل أنت خائن ؟!
فكرتُ كثيرًا قبل أن أكتب هذه الخاطرة ، رغم أني لاأحب أن أتكلم في السياسة ؛ فلها أهلها هم أدرى بها . ولكني مصري أنتمي إلى مصر ، فأنا مصري إلى النخاع ، أحب هذا البلد ، وأعشق ترابها ، وأنزعج لما يصيبها .ولكني لاحظت في الأيام الأخيرة نبرات مخيفة ، وأصوات تنادي بأشياء يندى لها الجبين ، وبكلمات عار على قائلها ، لو قيلت لأحد حُر أبِيٌّ لقام من مكانه ممسكا بقائلها ؛ قاتلا إياه من هول ما قال ، وللأسف قائلها : يعيش بيننا ، ويتنفس هواءنا ، ويدعي الوطنية .
والعمليات الإرهابية التي تكثر نحو جنودنا حماهم الله وحفظهم من كل سوء ومن كل معتدٍ وخائن لدينه ووطنه إنها خيانة وطن .
وكثر التخوين بين الناس ، وتحدث الرويبضة ( الامرؤ التافه والجاهل يتحدث في أمر العامة ) ، فمن يتحدث ولو بحسن نية ، يسمى خائنا .
![]() |
https://www.mr-alihamoud.com/2020/07/blog-post_24.html |
ولكن أتدري ما الخيانة ؟ ، ومن الخائن ؟ ، لذا كان سؤالي : هل أنت خائن ؟! .
قبل أن أتحدث عن الخيانة ، أود أن أبين :
أولا : معنى الوطنية وحب الأوطان :
وليكن درسًا نتعلمه من حبيبنا ومعلمنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين كان واقفا بالحزْورة في سوق مكة قال مخاطبًا مكة : " والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت " رواه أحمد وابن ماجة .وعن ابن عباس قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لمكة : " ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك " رواه الترمذي .
فمن هذين الحديثين نتعلم :
حب النبي لمكة بلده ، وعشقه لها ، وأنها أحب أرض الله إليه ، وخروجه منها لم يكن برضاه ، ولولا ذلك ماتركها ، ولكنه حين دارت الدائرة على قومه وتمكن منهم ( يوم فتح مكة ) ، وكان قادرا على الانتقام منهم ، فهل فعل ؟! ، فضرب لنا مثلا رائعا في التسامح وحب الأوطان ، فعلى الرغم من خلافه معهم ومقاتلتهم له وحرصهم على إيذائه بل قتله والخلاص منه ، إلا أنه عفا عنهم وسامحهم وآمنهم على أنفسهم وأموالهم ، وكان قادرا على أن ينتقم منهم ويقضي عليهم ولن يلومه أحد بلغة هذا العصر ، ولكنه التسامح والعفو وحب البلد المستقر في نفسه .تعلم الوطنية :
ألا تعلم بأنه – صلى الله عليه وسلم – لم يدع على قومه في أشد المواقف في " غزوة أحد " عندما كسرت رباعيته – صلى الله عليه وسلم – وشج وجهه ، فهل يدعو عليهم ؟! ، هل يتمنى هلاكهم ؟! ، ( فكل نبي دعا على قومه ) ، ولكن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – دعا لهم ؛ راجيا طامعا فقال : " اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون " .فيا من تدعي الإسلام ، ويامن تدعي الوطنية ، أين أنت من رسول الله ؟! ، الذي تدعي أنك تسير على نهجه ، يامن تتمنى هلاك وضياع وطنك ، أين أنت من رسول الله في ذلك ؟! ، ويامن تدعو على وطنك بالهلاك والضياع والدمار ؟! ، أين أنت من رسول الله ؟! .
فهل أنت خائن ؟! ، راجعوا أنفسكم ، واستقيموا يرحمكم الله .
ثانيا : من الخائن ؟ :
قصة وعبرة :
في إحدى الحفلات جلست امرأة بجانب الكاتب الشهير ( برنارد شو ) ، فهمس في أذنها : هل تقبلين أن تقضي معي ليلة مقابل مليون جنيه ؟.ابتسمت المرأة وقالت : طبعا بكل سرور .
عاد وسألها مرة أخرى : هل ممكن أن نخفض المبلغ إلى عشرة جنيهات ؟ ، غضبت المرأة وصرخت في وجهه قائلة له : من تظنني أن أكون ؟! .
قال : سيدتي ، نحن نعلم من تكونين ؟ ، ولكننا اختلفنا على الأجر فقط .
أدرج هذه القصة في مذكراته مشبها بما يحصل في الحياة اليومية من أناس يدعون الوطنية على شاشات التلفاز ليل نهار ، حيث تتغير المواقف السياسية عند الانتهازيين والخونة بناء على من يدفع أكثر ، فإذا انخفض السعر أو أجرهم انقلبوا إلى المعارضة وحدثونا عن الوطنية والمبادئ والشرف ، فبمثل هؤلاء الساقطين تتلوث الأوطان ، فنحن نعلم هؤلاء في الداخل والخارج والكل يدعي الوطنية .
إن الخائن الذي يبحث عن نفسه فقط لايهتم لغيره ، فهذا أعتبره خائنا إنها خيانة الوطن .
إن الوطنية الحقة : هي التضحية بالغالي والنفيس ، بأعز مايملك الإنسان :نفسه وولده وماله ، والوطنية الحقة تكون في العمل بإخلاص وأمانة ، والعمل على النهوض بهذا الوطن ليرقى بين البلدان .
أنواع الخيانة :
إن خيانة الوطن لها وجوه متعددة منها امتخابر مع الغير خائن لدينه ووطنه ، الجاسوس خائن لدينه ووطنه ، المدعي الإيمان خائن ، والمتكاسل في عمله خائن لوطنه ، والمضلل الناس خائن .العامل الذي لايعمل بإخلاص خائن لوطنه . ( كل موظف في الدولة أو عامل لا يخلص في عمله هو خائن لوطنه ) : المهندس ، الضابط ، الوزير ، الغفير ، المعلم ، الطبيب ، عامل النظافة ....... إلخ .
التاجر الذي يغش في بضاعته خائن لوطنه ، الكاذب خائن لوطنه ، والمرتشي : خائن لوطنه ، رجل الدين الذي لا يسخر دينه لتعليم الناس ويضللهم خائن لدينه ووطنه .
وتعطيل مصالح الناس خيانة للوطن ، والتعالي على الناس بسبب منصب أو خلافه خيانة للوطن .
تخريب المنشآت العامة والخاصة خيانة للوطن ، عدم تطبيق القانون خيانة للوطن ، التعدي على حقوق الغير خيانة للوطن ، عدم تسهيل الأمور على الناس خيانة للوطن .
وغيرهم الكثير ، من هم على شاكلتهم .
محاباة بعض الناس على بعض خيانة للوطن ، تسخير علمك في غير موضعه خيانة للوطن ، تسخير مالك في غير موضعه خيانة للوطن ، التنمر على الضعفاء خيانة للوطن .
فإذا تكلمنا عن خائن الوطن فهم كثر كل في مكانه إن كان يعمل للنهوض بالوطن فهو وطني ، وإن كان غير ذلك فهو خائن لوطنه .
فهل أنت خائن ؟! :
انظر لنفسك أين أنت من هؤلاء أو غيرهم ؟ ، ومن تكون منهم أو من غيرهم ؟إن اصطفافنا للدفاع عن وطننا ، لايحتاج دعوة من أحد بل هو غريزة فطرية في كل نفس سوية .
أتفَهم أن تكون ناقما على نظام معين ، أو شخص ما ، بسبب أو بدون ، ولكن مالا أتفهمه هو أن تتمنى سقوط الوطن وتعادي وطنك ، وتناصر دولا أخرى على حساب وطنك ؛ بسسب ذلك الشخص أو غيره ، أو تتمنى أن يحتلك عدو أو غير ذلك للتخلص من هذا أو ذاك .
إذا كنت من هؤلاء فأنت تحتاج إلى علاج نفسي عاجلا غير آجل ، فأنت خطر على نفسك قبل أن تكون خطرا على غيرك .
اعلم أن الأشخاص راحلون مهما كانوا ، ومهما فعلوا ، والأوطان باقية ، فالوطن باق باق باق .
رسالة :
لمن يفجر نفسه في الناس ؛ ليقتلهم ، لمن يخون وطنه .بأي ذنب قتلتهم ؟! ، وماذا فعلوا لتقتلهم ؟! ، أتعلم أن الذي أعطاك هذا الحزام الناسف لويعلم أنه سيدخلك الجنة ما أعطاك إياه ، ألم تسأل نفسك لِمَ لمْ يلبسه هو وينفذ تلك العملية إن كان سينال الشهادة ويدخل الجنة ؟! ، أيحبك إلى هذه الدرجة ليؤثرك عل نفسه بالجنة ! .
قال تعالى :" يوم يفر المرء من أخيه ( 34 ) وأمه وأبيه ( 35 ) وصاحبته وبنيه ( 36 ) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( 37 ) ". سورة عبس.
والله لو أعرف طريقا وسبيلا من خلاله سأدخل الجنة مباشرة ، مافضلت أحدا عليَّ وما تركته لأحد ، إنها الجنة ياغبي ، ليست أي شيء ليمنحه إياك ! ، كذب عليك فصدقته بعقلك الأبله القاصر ، ألم تفكر ولو لحظة ماذا ستستفيد من قتل الناس ؟1 . لاشيء .
أتعلم أن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من سفك دم إنسان واحد .
طريق الجنة :
قال تعالى : " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ( 40 ) فإن الجنة هي المأوى ( 41 ) " سورة النازعات .هذا هو طريق الجنة ، طريق سهل وبسيط ، لافيه سفك للدماء ولا قتل للنفس ، ولا أذى لخلق الله .
تعليقات: 0
إرسال تعليق