-->

متابعة

 السقوط في البئر

السقوط في البئر
https://www.mr-alihamoud.com/2022/03/Falling-into-the-well.html

أهن قرشك ولا تهن نفسك:

أهن قرشك ولا تهن نفسك: إن من استكثر من جمع العلوم وقراءة الكتب؛ من غير أن يفهم ويعي ما يقرؤه، كان خليقًا ألا يصيبه إلا ما أصاب الرجل الذي زعمت العلماء أنه علم موضع كنز عظيم؛ فجعل يحفر ويبحث عنه في المكان الذي علمه، فوقع على شيءٍ من جواهر وأحجار كريمة ونقود كثيرة.
فقال في نفسه: إن أنا أخذت في نقل هذا المال قليلًا قليلًا لطال علي ذلك، وكان مشقة وتعب علي، وقطعني الاشتغال بنقله عن اللذة بما أصبت منه؛ ولكني سأستأجر عمالا يحملونه إلى منزلي، وأكون أنا آخرهم، ولا يكون بقي ورائي شيءٌ يشغل فكري بنقله؛ وأكون قد أرحت بدني ونفسي عن الكد بيسير الأجرة أعطيهم إياها. 
وأطبق المثل القائل: أهن قرشك ولا تهن نفسك.
ثم جاء بالحمالين، فجعل يحمل كل واحدٍ منهم ما يطيق، فينطلق به الحمال إلى منزله (منزل الحمال وليسمنزل الرجل)، فلما انتهى من إخراج الكنز؛ ذهب إلى بيته آخر واحد كما خطط؛ فلم يجد فيه من المال شيئا، لا قليلاً ولا كثيرًا. 
فإذا كل واحدٍ من الحمالين قد حمل من المال ما قدر عليه وذهب به إلى بيته، ولم يعد مرة أخرى، فلم يفز صاحب الكنز الكسول بشيء،
ولم يكن له من ذلك إلا العناء والتعب؛ لأنه لم يفكر في آخر أمره. 

ونتعلم من هذه القصة:

إن العاقل إذا فهم الكتاب الذي يقرأه، ينبغي له أن يعمل بما علم منه لينتفع به؛ ويجعله مثالاً لا يحيد عنه.
فالعلم لا يتم إلا بالعمل، وهو كالشجرة والعمل به كالثمرة. وإنما صاحب العلم يقوم بالعمل لينتفع به؛ وإن لم يستعمل ما يعلم لا يسمى عالمًا. 

اللصوص وصاحب البيت شولم شولم ...:

زعموا قديمًا أن سارقًا تسلق بيت رجلٍ من الأغنياء، وكان معه جماعةٌ من أصحابه.
فاستيقظ صاحب المنزل من حركة أقدامهم، فأخبر زوجته بوجود لصوص أعلا البيت.
فقال لها: إني لأحسب اللصوص علوا البيت، فأيقظيني بصوت يسمعه اللصوص.
وقولي: ألا تخبرني أيها الرجل عن أموالك هذه الكثيرة وكنوزك العظيمة؟
فإذا نهيتك عن هذا السؤال؛ فألحي علي بالسؤال
ففعلت المرأة ذلك وسألته كما أمرها؛ وأنصتت اللصوص إلى سماع قولهما. 
فقال لها الرجل: أيتها الزوجة الصالحة، قد ساقك القدر إلى رزقٍ واسعٍ كثيرٍ، فكلي واسكتي، ولا تسألي عن أمرٍ إن أخبرتك به لم آمن من أن يسمعه أحدٌ، فيكون في ذلك ما أكره وتكرهين. 
فقالت الزوجة: أخبرني أيها الرجل، فلعمري ما بقربنا أحدٌ يسمع كلامنا. 
فقال لها: فإني أخبرك أني لم أجمع هذه الأموال إلا من السرقة. 
قالت: وكيف كان ذلك؟ وما كنت تصنع؟ 
قال: ذلك لعلمٍ تعلمته في السرقة، وكان الأمر علي يسيرًا، وأنا آمن من أن يتهمني أحدٌ أو يرتاب في.
قالت: فاذكر لي ذلك.
قال: كنت أذهب في الليلة المقمرة، أنا وأصحابي، حتى أعلو دار بعض الأغنياء مثلنا؛ فأنتهي إلى الكوة التي يدخل منها الضوء ( منور البيت) فأرقي بهذه الرقية.
وهي: شولم شولم سبع مرات، وألقي بنفسي في الكوة وأحتضن الضوء؛ فلا يحس بوقوعي أحدٌ، فلا أدع مالًا ولا متاعًا إلا أخذته. 
ثم أرقي بتلك الرقية سبع مراتٍ، وأحتضن الضوء فيجذبني؛ فأصعد إلى أصحابي، فنمضي سالمين آمنين. 
فلما سمع اللصوص ذلك قالوا: قد ظفرنا الليلة بما نريد من المال؛ ثم إنهم أطالوا المكث حتى ظنوا أن صاحب الدار وزوجته قد ناما.
فقام قائدهم إلى مدخل الضوء؛ وقال: شولم شولم سبع مراتٍ، ثم اعتنق الضوء لينزل إلى أرض المنزل، فوقع على أم رأسه منكسًا مصابًا. 
فوثب عليه الرجل صاحب الدار، وقال له: من أنت؟
 قال: أنا المصدق المخدوع المغتر يما لا يكون أبدًا؛ وهذه ثمرة رقيتك.

المخدوع في شهوات الدنيا:

ليس شيءٌ من شهوات الدنيا ولذاتها إلا وهو متحول إلى الأذى ومولدٌ للحزن. 

فالدنيا:

  • كالماء الملح الذي يصيبه الكلب فيجد فيه ريح اللحم؛ فلا يزال يطلب ذلك حتى يدمي فاه. 
  • وكالحدأة التي تظفر بقطعة من اللحم، فيجتمع عليها الطير، فلا تزال تدور وتدأب حتى تتعب؛ فإذا تعبت ألقت ما معها. 
  • وكالكوز من العسل الذي في أسفله السم الذي يذاق منه حلاوةٌ عاجلةٌ وآخره موتٌ محقق.
  • وكأحلام النائم التي يفرح بها الإنسان في نومه، فإذا استيقظ ذهب الفرح.

شهوات الدنيا: 

مثل رجلٍ هرب من فيلٍ هائجٍ إلى بئرٍ، فنزل فيها ليختبئ منه، وتعلق بغصنين كانا على فوهة البئر ، فوقعت رجلاه على شيءٍ في جدران البئر. فإذا حياتٌ أربع قد أخرجن رؤوسهن من أجحارهن، ثم نظر فإذا في قاع البئر تنين فاتح فاه منتظرًا له؛ ليقع في فيه؛ فيأخذه ويأكله.
فرفع بصره إلى الغصنين فإذا في أصلهما فأران أسود وأبيض، وهما يقرضان الغصنين دائبين لا يتعبان، فبينما هو في النظر لأمره والاهتمام لنفسه، إذا أبصر قريباً منه خلية فيها عسل نحلٍ؛ فذاق العسل، فشغلته حلاوته وألهته لذته عن التفكر في أمره، أو أن يلتمس الخلاص لنفسه مما هو فيه.
لم يتذكر أن رجليه على حياتٍ أربعٍ لا يدري متى يقع عليهن؛ ولم يتذكر أن الفأرين دائبان في قطع الغصنين؛ ومتى انقطعا وقع على التنين فأكله. 
فلم يزل لاهيًا غافلًا مشغولًا بتلك الحلاوة حتى سقط في فم التنين فهلك. 
  • فالبئر هيالدنيا المملوءة شهوات وآفاتٍ وشرورًا، ومخافاتٍ وعاهاتٍ.
  • والحيات الأربع هي: الأخلاط الأربعة التي في البدن، فإنها متى هاجت أو أحدها كانت كحمة الأفاعي والسم المميت.
  • والفأرين الأسود والأبيض هما: الليل والنهار اللذين هما دائبان في إفناء الأجل.
  • والتنين هو: المصير الذي لا بد منه.
  • والعسل هو: هذه الحلاوة القليلة التي ينال منها الإنسان شهواته، فيطعم ويسمع ويشم ويلمس، ويتشاغل عن نفسه، ويلهو عن شأنه، ويصد عن سبيل قصده. 

هذا والله أعلى وأعلم

تمت بحمد الله تعالى . 

إن أعجبتكم المدونة واستفدتم منها؛ فلا تبخلوا علينا بنشرها، ومشاركتها مع أصدقائكم؛ لتعم الفائدة. 
Mr Hamoud

Mr Hamoud
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع Mr Hamoud .

جديد قسم : خواطر

إرسال تعليق