-->

متابعة

الأسد والثور، الجزء الأول
الأسد والثور، الجزء الأول.
https://www.mr-alihamoud.com/2022/11/The-Lion-and-the-Bull-Part-One.html

قصة الأسد والثور:

الأسد والثور:

يحكى أن: ثورًا كان يعيش في أرض خضراء خصبة الماء والأرض والهواء.
فلما سمن وأمن جعل يخور ويرفع صوته بالخوار. وكان قريبًا منه مكان كثيف الشجر فيه أسدٌ عظيمٌ؛ وهو ملك تلك الناحية، ومعه سباعٌ كثيرةٌ وذئابٌ وبنات آوى وثعالب وفودٌ ونمورٌ؛ وكان هذا الأسد منفردًا برأيه دون أخذٍ برأي أحدٍ من أصحابه. 
فلما سمع خوار الثور، ولم يكن رأى ثوراُ قط، ولا سمع خواره؛ لأنه كان مقيمًا مكانه لا يبرح ولا ينشط؛ بل يؤتى بأكله كل يومٍ على يد جنده، خاف خوفًا شديدًا. 
وكان فيمن معه من السباع ابنا آوى يقال لأحدهما كليلة وللآخر دمنة؛ وكانا ذوي دهاء وعلمٍ وأدبٍ. 
تفكير دمنة التقرب من الأسد:
فقال دمنة لأخيه كليلة: يا أخي ما شأن الأسد مقيمًا مكانه لا يبرح ولا يعمل؟ 
قال له كليلة: ما شأنك أنت والمسألة عن هذا؟ نحن على باب ملكنا آخذين بما أحب وتاركين لما يكره؛ ولسنا من أهل المرتبة التي يتناول أهلها كلام الملوك والنظر في أمورهم. فأمسك عن هذا.  
قال دمنة: نحن أحق أن نرقى أعلى المنازل، وأن نلتمس ذلك بمروءتنا. ثم كيف نقنع بها ونحن نستطيع التحول عنها؟ 
قال كليلة: فما الذي اجتمع عليه رأيك؟ 
قال دمنة: أريد أن أتعرض للأسد عند هذه الفرصة: فإن الأسد ضعيف الرأي. ولعلي على هذه الحال أدنو منه فأصيب عنده منزلةً ومكانةً. 
قال كليلة: وما يدريك أن الأسد قد التبس عليه أمره؟ 
قال دمنة: بالحس والرأي أعلم ذلك منه، فإن الرجل ذا الرأي يعرف حال صاحبه وباطن أمره بما يظهر له من دله وشكله. 
قال كليلة فكيف ترجو المنزلة عند الأسد ولست بصاحب السلطان، ولا لك علمٌ بخدمة السلاطين؟ 
قال دمنة: الرجل الشديد القوي لا يعجزه الحمل الثقيل، وإن لم تكن عادته الحمل؛ والرجل الضعيف لا يستقل به وإن كان ذلك من صناعته. 
قال كليلة: هبك وصلت إلى الأسد، فما توفيقك عنده الذي ترجو أن تنال به المنزلة والحظوة لديه؟ 
قال دمنة: لو دنوت منه وعرفت أخلاقه، لرفقت في متابعته وقلة الخلاف له. وإذا أراد أمرًا هو في نفسه صواب، زينته له وصبرته عليه، وعرفته بما فيه من النفع والخير؛ وشجعته عليه وعلى الوصول إليه، حتى يزداد به سرورًا. 
وإذا أراد أمرًا بما فيه الضر والشين، وأوقفته على ما في تركه من النفع والزين، بحسب ما أجد إليه السبيل. وأنا أرجو أن أزداد بذلك عند الأسد مكانةً ويرى مني ما لا يراه من غيري. 

تقرب دمنة من الأسد:

ثم إن دمنة انطلق حتى دخل على الأسد فسلم عليه. 
فقال الأسد لبعض جلسائه: من هذا؟ 
فقالوا: فلان بن فلان. 
قال: قد كنت أعرف أباه. 
ثم سأله: أين تكون؟ 
قال: لم أزل ملازمًا باب الملك، رجاء أن يحضر أمرٌ فأعين الملك به بنفسي ورأيي.
فلما سمع الأسد قول دمنة أعجبه، وظن أن عنده نصيحةً ورأيًا. 
ثم إن دمنة استأنس بالأسد وخلا به. فقال يوما: أرى الملك قد أقام في مكانٍ واحدٍ لا يبرح منه، فما سبب ذلك؟ 
فبينما هما في هذا الحديث إذ خار شتربة خوارًا شديدًا؛ فخاف الأسد وكره أن يخبر دمنة بما ناله؛ وعلم دمنة أن ذلك الصوت قد أدخل على الأسد ريبةً وهيبةً. 
فسأله: هل راب الملك سماع هذا الصوت؟ 
قال لم يربني شيءٌ سوى ذلك. 
قال دمنة: ليس الملك بحقيقٍ أن يدع مكانه لأجل صوتٍ. فقد قالت العلماء: إن ليس من كل الأصوات تجب الهيبة. 
قال الأسد: وما مثل ذلك؟ 

الثعلب والطبل: 

قال دمنة: زعموا أن ثعلبًا أتى مكانًا كثيف الشجر فيه طبل معلق على شجرةٍ، وكلما هبت الريح على قضبان تلك الشجرة حركتها، فضربت الطبل فسمع له صوتٌ عظيمٌ؛ فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظم صوته؛ فلما أتاه وجده ضخمًا، فأيقن في نفسه بكثرة الشحم واللحم. فهجم عليه حتى شقه. فلما رآه أجوف لا شيء فيه، قال: لا أدري لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتًا وأعظمها جثةً. 
وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن هذا الصوت الذي راعنا، لو وصلنا إليه، لوجدناه أيسر مما في أنفسنا. فإن شاء الملك بعثني وأقام بمكانه حتى آتيه ببيان هذا الصوت. 
فوافق الأسد قوله، فأذن له بالذهاب نحو الصوت. 

ندم الأسد على الوثوق في دمنة:

فانطلق دمنة إلى المكان الذي فيه شتربة
فلما فصل دمنة من عند الأسد، فكر الأسد في أمره، وندم على إرسال دمنة حيث أرسله.
وقال في نفسه: إن دمنة داهيةٌ أريبٌ، وقد كان ببابي مطروحًا مجفوًا، ولعله قد احتمل علي بذلك كرهًا، ولعل ذلك يحمله على خيانتي وإعانة عدوي ونقيصتي عنده؛ ولعله صادف صاحب الصوت أقوى سلطانًا مني فيرغب به عني. ثم قام من مكانه فمشى غير بعيدٍ، فبصر دمنة مقبلاً نحوه فطابت نفسه بذلك، ورجع إلى مكانه، ودخل دمنة على الأسد
فقال له: ماذا صنعت؟ وماذا رأيت؟ 
قال: رأيت ثوراً هو صاحب الخوار والصوت الذي سمعته. 
قال: فما قوته؟ 
قال: لا شوكة له. وقد دنوت منه وحاورته محاورة الأكفاء ولا يصغرن عندك أمره: فإن الريح الشديدة لا تعبأ بضعيف الحشيش، لكنها تحطم طوال النخل وعظيم الشجر. 
قال دمنة: لا تهابن أيها الملك منه شيئًا؛ ولا يكبرن عليك أمره: فأنا آتيك به ليكون لك عبدًا سامعًا مطيعًا. 
قال الأسد: دونك وما بدا لك.
فانطلق دمنة إلى الثور.

دمنة يدعو الثور إلى المثول بين يدي الأسد:

فقال له غير هائب ولا مكترث: إن الأسد أرسلني إليك لآتيه بك. 
وأمرني، إن أنت عجلت إليه طائعًا، أؤمنك على ما سلف من ذنبك في التأخر عنه وتركك لقاءه؛ وإن أنت تأخرت عنه وأحجمت، أن أعجل الجرعة إليه فأخبره. 
قال له شتربة: ومن هو هذا الأسد الذي أرسلك إلي؟ وأين هو؟ وما حاله؟ 
قال دمنة: هو ملك السباع، وهو بمكان كذا، ومعه جندٌ كثيرٌ من جنسه. 
فرعب شتربة من ذكر الأسد والسباع. 
وقال: إن أنت جعلت لي الأمان على نفسي أقبلت معك إليه. 
فأعطاه دمنة من الأمان ما وثق به. ثم أقبل والثور معه، حتى دخلا على الأسد فأحسن الأسد إلى الثور وقرّبه.
وقال له: متى قدمت هذه البلاد؟ وما أقدمكها؟ فقص شتربة عليه قصته. 
فقال له الأسد اصحبني والزمني: فإني مكرمك. فدعا الثور وأثنى عليه.

دمنة يغار من شتربة:

ثم إن الأسد قرب شتربة وأكرمه وأنس به وائتمنه على أسراره وشاوره في أمره، ولم تزده الأيام إلا عجبًا به ورغبةً فيه وتقريباً منه؛ حتى صار أخص أصحابه عنده منزلةً. 
فلما رأى دمنة أن الثور قد اختص بالأسد دونه ودون أصحابه، وأنه قد صاد صاحب رأيه وخلواته ولهوه، حسده حسدًا عظيمًا، وبلغ منه غيظه كل مبلغ.
فشكا ذلك إلى أخيه كليلة.
وقال له: ألا تعجب يا أخي من عجز رأيي، وصنعي بنفسي؟ ونظري فيما ينفع الأسد، وأغفلت نفع نفسي حتى جلبت إلى الأسد ثورًا غلبني على منزلتي.
قال كليلة: أخبرني عن رأيك وما تريد أن تعزم عليه في ذلك. 
قال دمنة: أما أنا فلست اليوم أرجو أن تزداد منزلتي عند الأسد فوق ما كانت عليه؛ ولكن ألتمس أن أعود إلى ما كنت عليه. 
وإني لما نظرت في الأمر الذي به أرجو أن تعود منزلتي، وما غلبت عليه مما كنت فيه، لم أجد حيلةً ولا وجهًا إلا الاحتيال لآكل العشب هذا، حتى أفرق بينه وبين الحياة؛ فإنه إن فارق الأسد عادت لي منزلتي، ولعل ذلك يكون خيراً للأسد. 
فإن إفراطه في تقريب الثور خليقٌ أن يشينه ويضره في أمره. 
قال كليلة: ما أرى على الأسد في رأيه في الثور ومكانه منه ومنزلته عنده شينًا ولا شرًا. 
وإن الأسد قد أغرم بالثور إغرامًا شديدًا هو الذي ذكرت لك أنه خليق لأن يشينه ويضره في أمره. 
قال كليلة: وكيف تطيق الثور وهو أشد منك وأكرم على الأسد وأكثر أعوانًا؟ 
قال دمنة: لا تنظر إلى صغري وضعفي: فإن الأمور ليست بالضعف ولا القوة ولا الصغر ولا الكبر في الجثة: فرب صغيرٍ ضعيفٍ قد بلغ حيلته ودهائه ورأيه ما يعجز عنه كثير من الأقوياء.

حيلة دمنة لإبعاد الثور عن الأسد:

قال كليلة: إن الثور لو لم يجتمع مع شدته رأيه لكان كما تقول، ولكن له مع شدته وقوته حسن الرأي والعقل، فماذا تستطيع له؟ 
قال دمنة: إن الثور مقرٌ لي بالفضل؛ وأنا خليق أن أصرعه. 
قال كليلة: إن قدرت على هلاك الثور بشيءٍ ليس فيه مضرةٌ للأسد فشأنك؛ فإن الثور قد أضر بي وبك وبغيرنا من الجند؛ وإن أنت لم تقدر على ذلك إلا بهلاك الأسد، فلا تقدم عليه؛ فإنه غدرٌ مني ومنك. 
ثم إن دمنة ترك الدخول على الأسد أياماً كثيرةً؛ ثم أتاه على خلوةٍ منه.
فقال له الأسد: ما حبسك عني؟ منذ زمان لم أرك. ألا لخيرٍ كان انقطاعك؟ 
قال دمنة: فليكن خيراً أيها الملك. 
قال الأسد: وهل حدث أمرٌ؟ 
قال دمنة: حدث ما لم يكن الملك يريده ولا أحد من جنده. 
قال: وما ذاك؟ 
قال دمنة: كلامٌ فظيعٌ. 
قال: أخبرني به. 
قال دمنة: إنه كلامٌ يكرهه سامعه، ولا يشجع عليه قائله، وإنك أيها الملك لذو فضيلةٍ، ورأيك يدلك على أن يوجعني أن أقول ما تكره؛ وأثق بك أن تعرف نصحي وإيثاري إياك على نفسي. 
وإنه ليعرض لي أنك غير مصدقي فيما أخبرك به؛ ولكني إذا تذكرت وتفكرت أن نفوسنا، معاشر الوحوش، متعلقةٌ بك لم أجد بدًا من أداء الحق الذي يلزمني وإن أنت لم تسألني وخفت ألا تقبل مني فإنه يقال: من كتم السلطان نصيحته والإخوان رأيه فقد خان نفسه. 
قال الأسد: فما ذاك؟ 
قال دمنة: حدثني الأمين الصدوق عندي أن شتربة خلا برؤوس جندك.
وقال: قد عرفت الأسد واختبرت رأيه ومكيدته وقوته؛ فاستبان لي أن ذلك يئوؤول منه إلى ضعفٍ وعجزٍ، وسيكون لي وله شأنٌ من الشئون. 
فلما بلغني ذلك علمت أن شتربة خوانٌ غدارٌ؛ وأنك أكرمته الكرامة كلها، وجعلته نظير نفسك، وهو يظن أنه مثلك. وأنك متى نزلت عن مكانك صار له ملكك. 
وشتربة أعلم بالأمور وأبلغ فيها؛ والعاقل هو الذي يحتال للأمر قبل تمامه ووقوعه؛ فإنك لا تأمن أن يكون ولا تستدركه. 
فأحد الحازمين من إذا نزل به الأمر لم يدهش له، ولم يذهب قلبه شعاعًا ، ولم تعي به حيلته ومكيدته التي يرجو بها المخرج منه.
وأحزم من هذا المتقدم ذو العدة الذي يعرف الابتلاء قبل وقوعه، فيعظمه إعظامًا، ويحتال له حتى كأنه قد لزمه فيحسم الداء قبل أن يبتلي به، ويدفع الأمر قبل وقوعه. 
وأما العاجز فهو في ترددٍ وتمنٍ وتوانٍ حتى يهلك
ومن أمثال ذلك مثل السمكات الثلاث
قال الأسد: وكيف كان ذلك؟!.........................................................................................................................

يتبع، انتظرونا مع قصة الأسد والثور، الجزء الثاني

انتهى

هذا والله أعلى وأعلم

تمت بحمد الله تعالى . 

إن أعجبتكم المدونة واستفدتم منها فلا تبخلوا علينا بنشرها، ومشاركتها مع أصدقائكم؛ لتعم الفائدة. 
Mr Hamoud


Mr Hamoud
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع Mr Hamoud .

جديد قسم : معلومات ثقافية

إرسال تعليق