الجمل والأسد
![]() |
https://www.mr-alihamoud.com/2023/01/The-camel-and-the-lion.html |
قصة الذئب والغراب وابن آوى والجمل:
زعموا أن أسدًا كان في غابة مجاورةٍ لطريقٍ من طرق الناس؛ وكان له أصحابٌ ثلاثةٌ: ذئبٌ وغرابٌ وابن آوى؛ وأن رعاةً مروا بذلك الطريق، ومعهم جمالٌ، فتخلف منها جملٌ، فدخل تلك الغابة حتى انتهى إلى الأسد.
فقال له الأسد: من أين أقبلت؟
قال: من موضع كذا.
قال: فما حاجتك؟
قال: ما يأمرني به الملك.
قال: تقيم عندنا في السعة والأمن والخصب. فأقام الأسد والجمل معه زمنًا طويلاً.
ثم إن الأسد مضى في بعض الأيام لطلب الصيد، فلقي فيلاً عظيمًا، فقاتله قتالاً شديدًا؛ وأفلت منه مثقلاً بالجراح، يسيل منه الدم، وقد خدشه الفيل بأنيابه. فلما وصل إلى مكانه، وقع لا يستطيع الحركة، ولا يقدر على طلب الصيد.
فلبث الذئب والغراب وابن آوى أياماً لا يجدون طعامً؛ا لأنهم كانوا يأكلون من فضلات الأسد وطعامه؛ فأصابهم جوعٌ شديدٌ وهزالٌ، وعرف الأسد ذلك منهم.
فقال: لقد جهدتم واحتجتم إلى ما تأكلون.
فقالوا: لا تهمنا أنفسنا، لكنا نرى الملك على ما نراه، فليتنا نجد ما يأكله ويصلحه.
قال الأسد: ما أشك في نصيحتكم، ولكن انتشروا لعلكم تصيبون صيدًا تأتونني به؛ فيصيبني ويصيبكم منه رزقٌ.
فخرج الذئب والغراب وابن آوى من عند الأسد؛ فتنحوا ناحيةً، وتشاوروا فيما بينهم.
وقالوا: مالنا ولهذا الأكل العشب الذي ليس شأنه من شأننا، ولا رأيه من رأينا؟ ألا نزين للأسد فيأكله ويطعمنا من لحمه؟
قال ابن آوى: هذا مما لا نستطيع ذكره للأسد؛ لأنه قد أمن الجمل، وجعل له من ذمته عهدًا.
قال الغراب: أنا أكفيكم أمر الأسد؛ ثم انطلق فدخل على الأسد.
فقال له الأسد: هل أصبت شيئاً؟
قال الغراب: إنما يصيب من يسعى ويبصر، وأما نحن فلا سعي لنا ولا بصر؛ لما بنا من الجوع؛ ولكن قد وفقنا لرأي واجتمعنا عليه؛ إن وافقنا الملك فنحن له مجيبون.
قال الأسد: وما ذاك؟
قال الغراب: هذا الجمل آكل العشب المتمرّغ بيننا من غير منفعة لنا منه، ولا رد عائدةٍ، ولا عمل يعقب مصلحةً.
فلما سمع الأسد ذلك غضب وقال: ما أخطأ رأيك، وما أعجز مقالك، وأبعدك من الوفاء والرحمة؟ وما كنت حقيقًا أن تتكلم بهذه المقالة، وتستقبلني بهذا الخطاب؛ مع ما علمت من أني قد أمنت الجمل، وجعلت له من ذمتي. أو لم يبلغك أنه لم يتصدق متصدقٌ بصدقةٍ هي أعظم أجرًا ممن أمن نفسًا خائفةً، وحقن دماً مهدرًا؟ وقد أمنته ولست بغادر به.
قال الغراب: إني لأعرف ما يقول الملك؛ ولكن النفس الواحدة يفتدى بها أهل البيت؛ وأهل البيت تفتدى بهم القبيلة؛ والقبيلة يفتدى بها أهل البلاد؛ وأهل البلاد فداء الملك، وقد نزلت بالملك الحاجة؛ وأنا أجعل له من ذمته مخرجًا، على ألا يتكلف الملك ذلك،
ولكنا نحتال بحيلةٍ لنا فيها إصلاحٌ وظفرٌ. فسكت الأسد عن جواب الغراب عن هذا الخطاب. فلما عرف الغراب إقرار الأسد أتى أصحابه.
فقال لهم: قد كلمت الأسد في أكل الجمل؛ على أن نجتمع نحن والجمل عند الأسد، فنذكر ما أصابه، ونتوجع له اهتمامًا منا بأمره، وحرصاً على صلاحه؛ ويعرض كل واحدٍ منا نفسه عليه تجملاً ليأكله، فيرد الآخران عليه، ويسفها رأيه، ويبينان الضرر في أكله. فإذا فعلنا ذلك، سلمنا كلنا ورضي الأسد عنا.
ففعلوا ذلك، وتقدموا إلى الأسد.
فقال الغراب: قد احتجت أيها الملك إلى ما يقويك؛ ونحن أحق أن نهب أنفسنا لك: فإنا بك نعيش؛ فإذا هلكت فليس لأحدٍ منا بقاءٌ عندك، ولا لنا في الحياة من خيرةٍ؛ فليأكلني الملك؛ فقد طبت بذلك نفسًا.
فأجابه الذئب وابن آوى: أن اسكت؛ فلا خير للملك في أكلك؛ وليس فيك شبعٌ.
قال ابن آوى: لكن أنا أشبع الملك، فليأكلني: فقد رضيت بذلك، وطبت عنه نفسًا.
فرد عليه الذئب والغراب بقولهما: إنك لمنتنٌ قذرٌ.
قال الذئب: إني لست كذلك، فليأكلني الملك، فقد سمحت بذلك، وطبت عنه نفسًا.
فاعترضه الغراب وابن آوى وقالا: قد قالت الأطباء: من أراد قتل نفسه فليأكل لحم ذئبٍ.
فظن الجمل أنه إذا عرض نفسه على الأكل، التمسوا له عذرًا كما التمس بعضهم لبعضٍ الأعذار، فيسلم ويرضى الأسد عنه بذلك، وينجو من المهالك.
فقال: لكن أنا أشبع الملك وأرويه؛ ولحمي طيبٌ هنيٌ، وبطني نظيفٌ، فليأكلني الملك، ويطعم أصحابه وخدمه، فقد رضيت بذلك، وطابت نفسي عنه، وسمحت به.
فقال الذئب والغراب وابن آوى: لقد صدق الجمل وكرم؛ وقال ما عرف.
ثم إنهم وثبوا عليه فمزقوه.
قصة السلحفاة والبطتين:
السلحفاة والبطتان: إن من لم يسمع قول الناصح يصيبه ما أصاب السلحفاة حين لم تسمع قول البطتين.
زعموا أن نهرًا صغيرًا كان عنده عشبٌ، وكان فيه بطتان وكان في النهر سلحفاةٌ، بينها وبين البطتين مودةٌ وصداقةٌ.
وحدث أن قل ماء النهر وبدأ يجف؛ فققرت البطتان تركه والانتقال لمكان آمن به ماء.
فجاءت البطتان لوداع السلحفاة، وقالتا: السلام عليك فإننا ذاهبتان عن هذا المكان لأجل نقصان الماء عنه.
فقالت السلحفاة: إني سأتأثر من نقصان الماء؛ لأني كالسفينة لا أقدر على العيش إلا بالماء، فأما أنتما فتقدران على العيش حيث كنتما، فاذهبا بي معكما .
قالتا لها: نعم.
قالت: كيف السبيل إلى حملي؟
قالتا: نأخذ بطرفي عودٍ، وتتعلقين بوسطه من فمك؛ ونطير بك في الجو، وإياك، إذا سمعت الناس يتكلمون، أن تنطقي.
ثم أخذتاها فطارتا بها في الجو.
فقال الناس: عجبٌ: سلحفاة بين بطتين تطير، قد حملتاها.
فلما سمعت ذلك قالت: فقأ الله أعينكم أيها الناس.
فلما فتحت فاها بالنطق وقعت على الأرض فماتت.
فلاتتكلم بما لايفيد ويضرك، ودع من يتكلم عنك يتكلم، لاتهتم به ولا بما قال.
قصة اللئيم والطيب:
قصة اللئيم والطيب: زعموا أن لئيمًا وطيبًا اشتركا في تجارةٍ وسافرا، فبينما هما في الطريق، إذ تخلف الطيب لبعض حاجته، فوجد كيساً فيه ألف دينار، فأخذه؛ فأحس به اللئيم، فرجعا إلى بلدهما؛ حتى إذا دنوا من المدينة قعدا لاقتسام المال.
فقال الطيب: خذ نصفه وأعطني نصفه؛ وكان اللئيم قد قرر في نفسه أن يذهب بالألف جميعه.
فقال اللئيم: لا نقتسم، فإن الشركة أقرب إلى الصفاء والمحبة؛ ولكن آخذ نفقةً، وتأخذ مثلها؛ وندفن الباقي في أصل هذه الشجرة؛ فهو مكانٌ أمين بعيد عن الناس.
فإذا احتجنا مالا جئنا أنا وأنت فنأخذ حاجتنا منه؛ ولا يعلم بموضعنا أحدٌ. فأخذا من النقود قليًلًا، ودفنا الباقي تحت الشجرة، ودخلا البلد. ثم إن اللئيم خالف الطيب إلى الدنانير فأخذها، وسوى الأرض كما كانت.
وجاء الطيب بعد ذلك بأشهر فقال للئيم: قد احتجت إلى نفقةٍ فانطلق بنا نأخذ حاجتنا.
فقام اللئيم معه وذهبا إلى المكان فحفرا، فلم يجدا شيئاً.
فأقبل اللئيم على وجهه يلطمه يقول بصوت عال وغاضب: لا تغتر بصحبة صاحب. أتيت من ورائي وأخذت الدنانير.
فبدأ الطيب يحلف ويلعن آخذها.
واللئيم لايزداد إلا شدة في اللطم.
وقال اللئيم: ما أخذها غيرك، وهل يعرف بها أحدٌ سواك؟
فترافعا إلى القاضي، فاستمع القاضي قصتهما، فادعى اللئيم أن الطيب أخذها، وأنكر الطيب.
فقال القاضي للئيم: ألك على دعواك بينة؟
قال اللئيم: نعم الشجرة التي كانت الدنانير عندها تشهد لي أن الطيب أخذها.
وكان اللئيم قد أمر أباه أن يذهب فيتوارى في الشجرة بحيث إذا سئلت أجاب.
فذهب أبو اللئيم فدخل جوف الشجرة.
ثم إن القاضي لما سمع ذلك من اللئيم تعجب منه، وانطلق هو وأصحابه واللئيم والطيب؛ حتى وافى الشجرة؛ فسألها عن الخبر.
فقال الشيخ من جوفها: نعم الطيب أخذها.
فلما سمع القاضي ذلك اشتد تعجبه.
فدعا بحطب وأمر أن تحرق الشجرة. فأضرمت حولها النيران فاستغاث أبو اللئيم عند ذلك؛ فأخرج وقد أشرف على الهلاك.
فسأله القاضي عن القصة: فأخبره بالخبر؛ فأوقع باللئيم ضربًا، وبأبيه صفعًا، وأركبه حمارًا مقلوبًا وشهر به بين الناس ، وغرّم اللئيم الدنانير فأخذها وأعطاها الطيب.
تعليقات: 0
إرسال تعليق